Admin المدير العام
عدد الرسائل : 701 العمر : 29 تاريخ التسجيل : 05/07/2008
| موضوع: شبهة جواز الخروج على الحاكم المسلم الإثنين أغسطس 04, 2008 3:21 pm | |
| الرد على الشهة
قد انعقد الإجماع ، واستقرّ على : تحريم الخروج على الحاكم الفاسق ؛ ومن ثم فلا يجوز الخروج عليه ولو ظهر منه الظلم والفسق والعدوان , ما لم يصل للحدّ المبيح للخروج وهو : الكفر .
فائدة مهمة : قال عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - ( خ : 7055 [ 7056 ] - م : 4748 واللفظ له ) : دعانا النبي - صلى الله عليه وسلم - فبايعناه . فكان فيما أخذ علينا : أن بايَعَنا على السمع والطاعة ؛ في منشطنا ، ومكرهنا ، وعسرنا ، ويسرنا ، وأثَرَةٍ علينا ، وألاّ ننازع الأمرَ أهلَهُ . قال : « إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان » .
ففي هذا الحديث التصريح بعدم جواز الخروج على الحاكم إلا بقيد الكفر الصريح ، وهذا ما قررت الإجماع عليه في الأصل الثاني من الأصول التي في أول الكتاب ؛
لكن جاءت نصوص أخرى يوهم - ظاهرها - تجويز الخروج على الحاكم العاصي الذي لم يقع في الكفر ، وهو ما يتعارض مع حديث عبادة - رضي الله عنه - المُجْمَع على دلالته ! وسأستعرض أظهر هذه النصوص - وهي ثلاثة - لتوجيه دلالاتها توجيهاً علمياً ،
فأقول مستعيناً بالله :
النصّ الأول : رواية لحديث عبادة - رضي الله عنه - أخرجها ابن حبان - رحمه الله - ( 4566 ) : بلفظ : « إلا أن تروا معصيةً لله بواحاً » ؛ فظاهر هذه الرواية يوهم جواز الخروج إذا أمر بالمعصية !
الجواب : لا حجة فيها على جواز الخروج على الحاكم غير الكافر من ثلاثة أوجه :
الوجه الأول : أن لفظ الصحيحين « كفراً بواحاً » ؛ وقد قرر الحاكم - رحمه الله - أن الحديث إن كان في الصحيحين وجاءت في غيرهما زيادة فهي ضعيفة , فـ - على أقلّ تقدير - يجب النظر في ثبوت هذه الزيادة . وليس لأحد أن يقول أنها ( ليست زيادة ؛ لأنها إبدال لفظٍ بلفظ ) ! وذلك أن الزيادة قد تكون لفظية - كما هو معلوم - , وقد تكون معنوية - كما في هذا المثال - .
الوجه الثاني : أنه يجب تفسير ( المعصية ) - هنا - بالكفر ؛ فالكفر يصح أن يسمّى معصيةً ؛ لأن اسم المعصية يشمله . والموجب لهذا التفسير أمران : الإجماع المستقرّ على منع الخروج إلا في حالة الكفر . الأحاديث الأخرى المانعة من الخروج على الحاكم ولو عصى .
الوجه الثالث - وهو وجه قويّ دقيقٌ - : أن الحديث الذي فيه ( الكفر ) سيق في غير مساق الحديث الذي فيه ( المعصية ) . فحديث « كفراً بواحاً » جاء جواباً على السؤال عن مشروعية المنابذة ( الخروج ) . وحديث « معصيةً لله بواحاً » جاء تقريراً لعدم الطاعة في المعصية .
فالمعنى : لا تخرجوا إلا إن رأيتم الكفر البواح . ولا تطيعوا إن أمرتم بالمعصية .
ومعلومٌ أن النهي عن الطاعة في المعصية لا يلزم منه تجويز الخروج ؛ إذ غايته : ألاّ يطاع في تلك المعصية فحسب .
ومما يُجلِّي هذا : تأمل اللفظين :
فالرواية الأولى : ( . . . وألاّ ننازع الأمر أهله , قال : « إلا أن تروا كفرا بواحاً عندكم من الله فيه برهان» ) ، وهو ما أخرجه : البخاري ومسلم - رحمهما الله - .
والرواية الثانية : « اسمع وأطع في عسرك ويسرك ومكرهك وأثرةٍ عليك , وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك ؛ إلا أن تكون معصيةً لله بواحاً » ، وهو ما أخرجه : ابن حبان - رحمه الله - .
أقول : والذي في الصحيحين ؛ هو في معنى حديث علي - رضي الله عنه - ( خ : 7257 - م : 4742 ) : « لا طاعة في معصية الله » , والله أعلم .
ثم وجدتُ للحافظ ابن حجر - رحمه الله - ما يؤيد ما قررته في الوجه الثالث من اختصاص رواية الكفر بالخروج ورواية المعصية بالإنكار وعدم الموافقة من دون خروج ؛ حيث قال بعد أن ذكر الروايتين ( الفتح 13/11 ) : « والذي يظهر : حمل رواية ( الكفر ) على ما إذا كانت المنازعة في الولاية ؛ فلا ينازعه بما يقدح في الولاية إلا إذا ارتكب الكفر . وحمل رواية ( المعصية ) على ما إذا كانت المنازعة فيما عدا الولاية ؛ فإذا لم يقدح في الولاية نازعه في المعصية بأن ينكر عليه برفق ويتوصل إلى تثبيت الحق لـه بغير عنف , ومحل ذلك إذا كان قادراً . والله أعلم » انتهى .
النصّ الثاني : حديث أم سلمة - رضي الله عنها - ( م : 4777 ) : قالوا : أفلا نقاتلهم ؟ قال : « لا , ما صلوا ».
فهذا الحديث : يدلّ - بمنطوقه - على : المنع من الخروج على الحكام ما صلوا . ويدلّ - بمفهومه - على : جواز الخروج إذا لم يصلوا ! فأما دلالة المنطوق : فلا إشكال فيها , ولا تتعارض مع حديث عبادة - رضي الله عنه - . وأما دلالة المفهوم : فالجواب عنها له تعلُّقٌ بمسألة تارك الصلاة التي قد اختلف فيها أهل السنة والجماعة على قولين .
فإن قيل بكفر تاركها - وهو الذي يترجح - : فحيئنذٍ : لا يشكل هذا المفهوم ؛ لأنه فعلٌ مكفرٌ موجبٌ للخروج .
وإن قيل بعدم كفره فالجواب : أنه يجب تقييد هذا المفهوم بما إذا تركوها على وجه مكفر ؛ كالجحود . والموجب لهذا التقييد ثلاثة أمور :
الأمر الأول : الجمع بين الأحاديث , إذ الجمع بين النصوص : واجب , ما أمكن .
الأمر الثاني : تقديم منطوق حديث عبادة - رضي الله عنه - على مفهوم حديث أم سلمة - رضي الله عنها - , ومن المعلوم أن دلالة المنطوق مقدمة على دلالة المفهوم .
الأمر الثالث : إجماع أهل السنة والجماعة على ما دلّ عليه حديث عبادة , وإجماعهم - كذلك - على أنه غير مقيد .
وقد قررت في الأصل الثاني من الأصول الأربعة التي في أول الكتاب : إجماع أهل السنة على عدم الخروج إلا في حالة الكفر البواح . وإجماعهم على أنه لا يستثنى من هذا الإجماع شيء , فراجعه إن شئت .
النصّ الثالث : حديث عوف بن مالك - رضي الله عنه - ( م : 4781 ) : قيل : يا رسول الله ! أفلا ننابذهم بالسيف ؟ قال : « لا , ما أقاموا فيكم الصلاة » .
فهذا الحديث : يدلّ - بمنطوقه - على : المنع من الخروج على الحكام ما أقاموا فينا الصلاة . ويدلّ - بمفهومه - على : جواز الخروج عليهم إذا لم يقيموا فينا الصلاة ! فأما دلالة المنطوق : فلا إشكال فيها , ولا تتعارض مع حديث عبادة - رضي الله عنه - . وأما دلالة المفهوم : فالجواب عنها له تعلُّقٌ بتفسير قوله - صلى الله عليه وسلم - « ما أقاموا فيكم الصلاة » ؛ حيث إنه يحتمل معنيين : المعنى الأول : أقاموا الصلاة في أنفسهم ( أي : صلَّوا ) . والمعنى الثاني : أقاموا الصلاة فيكم ( أي : مكّنوكم من إقامة شعيرة الصلاة ) .
فإن فُسِّرتْ إقامتهم الصلاة بالمعنى الأول : فحيئنذٍ يكون حديث مالك بن عوف - رضي الله عنه - كحديث أم سلمة - رضي الله عنها - ( النصّ الثاني ) الذي تقدم توجيه دلالته على قَوْلَيْ أهل السنة والجماعة في مسألة تارك الصلاة .
وإن فُسِّرتْ بالمعنى الثاني : فالجواب : أنه يجب تقييد دلالة المفهوم هذه بما إذا منعونا من إقامتها على وجهٍ مكفّر ؛ والموجب لهذا التقييد ثلاثة أمور تقدم بيانها في توجيه حديث أم سلمة - رضي الله عنها - ( النصّ الثاني ) .
نُقولٌ على ما نَقول
قال الإمام النووي - رحمه الله - ( شرحه لصحيح مسلم ، جزء : 11 - 12 ، ص 432 ، تحت الحديث رقم : 4748 ، كتاب : الإمارة , باب : وجوب طاعة الأمراء . . . ) : « . . . وأما الخروج عليهم وقتالهم : فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقةً ظالمين , وقد تظاهرت الأحاديث على ما ذكرته , وأجمع أهل السنة أنه : لا ينعزل السلطان بالفسق » انتهى .
وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - ( الفتح 13/9 ، تحت الحديث رقم : 7054 ) : « قال ابن بطال : وفي الحديث حجة على ترك الخروج على السلطان ولو جار , وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه , وأن طاعته خير من الخروج عليه ؛ لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء . وحجّتهم هذا الخبرُ وغيره مما يساعده , ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح » انتهى .
وموافقةً لهذا الإجماع :
فقد قال الإمام ابن باز - رحمه الله - عن السعودية ( فتاواه 4/91 ) : « وهذه الدولة - بحمد الله - : لم يصدر منها ما يوجب الخروج عليها , وإنما الذي يستبيح الخروج على الدولة بالمعاصي هم الخوارج الذين يكفرون المسلمين بالذنوب . . . » انتهى .
وقال - رحمه الله - ( فتاواه 8/202 ) : « . . . فإذا أمروا بمعصيةٍ فلا يُطاعون في المعصية ؛ لكن لا يجوز الخروج عليهم بأسبابها . . . » انتهى .
وقال - رحمه الله - ( فتاواه 8/203 ) : « . . . فهذا يدل على أنه لا يجوز لهم منازعة ولاة الأمور , ولا الخروج عليهم إلا أن يروا كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان » انتهى .
وقال - رحمه الله - عمّن لا يرى وجوب البيعة لولاة الأمر في السعودية ( الفتاوى الشرعية في القضايا العصرية ص 54 ، ط الأولى ) : « . . . بل هذا من المنكرات العظيمة , بل هذا دين الخوارج . هذا دين الخوارج والمعتزلة : الخروج على ولاة الأمور وعدم السمع والطاعة لهم إذا وُجدتْ معصية » انتهى .
وقال الإمام ابن عثيمين - رحمه الله - لما سئل عن بعض أنواع الرسوم التي تؤخذ من الحكومات هل هي من الضرائب ؟ ( الباب المفتوح 3/416 ، لقاء 65 ، سؤال 1465 ) : « تعمّ كلّ شيء يؤخذ بلا حقّ ؛ فهو من الضرائب , وهو محرم . . . ولكن على المسلم السمع والطاعة , وأن يسمع لولاة الأمور ويطيعهم , وإذا طلبوا مالاً على هذه المعاملات أعطاهم إياه . . . ولا يجوز أن تُتّخذ مثل هذه الأمور وسيلةً إلى : القدح في ولاة الأمور , وسبّهم في المجالس , وما أشبه ذلك » انتهى .
وقال - رحمه الله - ( شرح الواسطية 2/337 ، ط ابن الجوزي ) : « . . . خلافاً للخوارج الذين يرون أنه لا طاعة للإمام والأمير إذا كان عاصياً ؛ لأن من قاعدتهم أن الكبيرة تُخرج من الملة » انتهى .
وقال - رحمه الله - ( شرح رياض الصالحين 4/514 ، ط الوطن ) : « مهما فسق ولاة الأمور لا يجوز الخروج عليهم ؛ لو شربوا الخمر , لو زنوا , لو ظلموا الناس ؛ لا يجوز الخروج عليهم » انتهى .
وقال - رحمه الله - ( شرح رياض الصالحين 4/517 ، ط الوطن ) : « وأما قول بعض السفهاء : إنه لا تجب علينا طاعة ولاة الأمور إلا إذا استقاموا استقامة تامة ! فهذا خطأ , وهذا غلط , وهذا ليس من الشرع في شيء ؛ بل هذا مذهب الخوارج : الذين يريدون من ولاة الأمور أن يستقيموا على أمر الله في كل شيء . وهذا لم يحصل من زمن , فقد تغيرت الأمور » انتهى .
وقال - رحمه الله - ( شرح رياض الصالحين 5/269 ، ط الوطن ) : « يجب علينا أن نسمع ونطيع وإن كانوا هم أنفسهم مقصرين ؛ فتقصيرهم هذا عليهم , عليهم ما حُمّلوا وعلينا ما حُمّلنا » انتهى .
وقال - رحمه الله - ( شرح رياض الصالحين 3/333 ، ط الوطن ) : « ليس معنى ذلك أنه إذا أمر بمعصية تسقط طاعته مطلقاً ! لا . إنما تسقط طاعته في هذا الأمر المُعيّن الذي هو معصية لله , أما ما سوى ذلك فإنه تجب طاعته » انتهى . | |
|